منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

بنحو الحكومة ودعوى أنها تقديمها على نحو الحكومة وكانت من الأصول بتقريب سببية الشك في بقاء الحالة السابقة في الاستصحاب عن الشك

__________________

بالأجزاء المذكورة في الروايات أو يشمل لكل جزء من الأجزاء للصلاة المستقلة بالتبويب فى الكتب الفقهية أو لكل ما يصدق عليه مفهوم الغير ولكن بشرط أن لا يخرج عن أجزاء الصلاة بناء على اختصاص القاعدة بالصلاة أو مطلقا بناء على عدم الاختصاص.

أما الاحتمال الأول لا يمكن الالتزام به لعدم شموله لمن كان يقرأ السورة وقد شك في الحمد أو كان في التشهد وقد شك في السجود لعدم ذكر ذلك في الروايات ولذا رجح المحقق النائيني الاحتمال الثاني لتعميمه لذلك الفرعين إلّا أنه لم يشمل مقدمات الأجزاء وأجزاء الأجزاء فانه يتم بناء على ما اختاره من عدم اطلاق الشىء لأجزاء الأجزاء الا بغاية وادعاء ولذا لم يكن الجزء في عرض شيئية الكل.

ولكن لا يخفى أنه قد تقدم أن لفظ الشىء يطلق على الأجزاء والكل في عرض واحد حقيقة من دون ادعاء وغاية إذا عرفت فالحق هو الاحتمال الأخير فان الموجود في الأخبار لفظ الغير وهو غير المشكوك وكلما ينطبق عليه الشىء. أما حقيقة أو ادعاء بكون لفظ الغير يكون غير الشىء وحيث لم نقل باختصاص القاعدة في الصلاة كما عرفت من بعض الأخبار عدم اختصاصها بها فلا فرق في شمول لفظ الغير للاجزاء وأجزاء الأجزاء ومقدمات الأجزاء بين الصلاة كالهوى مثلا أو الأخذ فى القيام وسائر المركبات التي أمر الشارع بايجادها كالحج مثلا فاذا شك في أثناء السعي مثلا في الطواف أو في جزء منه يكون مشمولا لقاعدة التجاوز ومما ذكر ظهر أن لا فرق في الغير الواجبة والمستحبة بل وان لم يكن من أجزاء المركب حقيقة كالتعقيب مثلا ثم أن الكلام

٣٦١

فى حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة ومفاد القاعدة هو البناء على حدوث ما يكون رافعا للحالة السابقة فتكون القاعدة رافعة لموضوع

__________________

في الطهارات الثلاث كالوضوء والغسل والتيمم بناء على عدم اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة فهل يجري فيها فتقول :

أما في الوضوء فالظاهر أنها لا تجرى للاجماع على عدم جريانها وبعد الفراغ من الوضوء تجري قاعدة الفراغ للاجماع على ذلك وبصحيحه زرارة (إذا كنت قاعدا في وضوءك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا؟ فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله مما سمى الله تعالى ما دمت فى حال الوضوء فاذا قمت من الوضوء فرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمى الله تعالى مما أوجب الله عليك لا شىء عليك). وأنها صريحة في عدم جريان قاعدة التجاوز وجريان قاعدة الفراغ وبما أنهما قاعدتان لا معارض بينهما وبما أنها صريحة في المطلوب لا يعارضها ابن أبي يعفور في روايته : قوله (ع) إذا شككت في شىء من الوضوء وقد دخلت فى غيره فشكك ليس بشىء لا مكان حمل من على البيانية والضمير في غيره يرجع إلى الوضوء وما ذكرناه لعدم الجريان من دعوى الشيخ الأنصاري (قده) من أن الوضوء عمل واحد لوحده أثره حيث أن أثر جمع الأجزاء أثر بسيط وهي النورانية وقد أشار إلى ذلك قوله (ع) (الوضوء نور ورواية في رواية أخرى والوضوء على الوضوء نور على نور) فهذا محل نظر أولا أن فرض الوضوء أمرا واحدا لوحدة أثره مناف لرواية ابن أبي يعفور (ع) إذا شككت في شىء من الوضوء ودخلت في غيره فشك ليس بشىء فان الظاهر من ذلك جعل الوضوء ذو أجزاء.

وثانيا أن وحدة الأثر وبساطته لا توجب وحدة السبب المؤثر إذا

٣٦٢

الاستصحاب ممنوعة إذ لا سببية ومسببية بينها وكيف يكون بينها ذلك مع أن بقاء عدم الشىء مع فرض حدوثه الطارد لبقاء عدمه في مرتبة واحدة فظهر مما ذكرنا أن تقديم القاعدتين على الاستصحاب ليس على نحو التخصيص أما للاجماع وأما من جهة ورود القاعدة في مورد الاستصحاب حيث أنه لو لا تقديمها على الاستصحاب يلزم لغوية جعلها إذ ما من مورد تجري فيه القاعدة إلا ويجري فيه الاستصحاب ثم لا يخفى أن قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ قاعدتين مستقلتين لتغاير متعلقيهما حيث أن متعلق الشك في قاعدة التجاوز أصل وجود الشىء بمفاد كان التامة وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ولا جامع بين هذين المفادين كما أن المستفاد من الروايات أيضا قاعدتين فان بعضها تفيد قاعدة التجاوز إلى الشك فى أصل الوجود بمفاد كان التامة مثل رواية زرارة إلى أن قال يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشىء ورواية إسماعيل بن جابر قال أبو عبد الله (ع) ان شك في شىء في الركوع بعد ما سجد فليمضي وإن شك في السجود بعد ما قام فليمضي كل شىء فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمضي عليه وهكذا موثقة بن أبي يعفور ومحمد بن مسلم فان الظاهر من هذه الأخبار حكم الشك في الوجود الذي مفاد كان التامة وبعضها تفيد قاعدة الفراغ كموثقة بن مسلم كلما شككت فيه مما مضى فليمضه كما هو وموثقة أخرى لابن مسلم كلما مضى من صلاتك وظهورك فامضه كما هو.

__________________

أكثر العبادات لها آثار واحدة مع أنها ذات أجزاء ..

وأما التيمم والغسل فالحاقهما بالوضوء بنحو البدلية محل إشكال إلا أن يقوم إجماع على الالحاق وتحققه محل إشكال ...

٣٦٣

ولا يخفى أن ذيل هاتين الموثقتين ظاهران بالصراحة إلى أن المشكوك فيه بعد صحة الشىء بمفاد كان الناقصة الذي مفاد قاعدة الفراغ وحاصل الكلام أن المستفاد من أخبار الباب أنهما قاعدتان فعليه لا مجال لتكلف إرجاع الطائفة الثانية إلى الأولى مع ظهور بعضها فى قاعدة التجاوز وبعضها في قاعدة الفراغ بلا وقوع معارضة بينهما لكي ينتهي الأمر الى رفع المعارضة يحمل الاطلاق على التقييد اذ المعارضة انما تتحقق لو فرض أن مفاد الأخبار قاعدة واحدة كما هو مسلك الشيخ الأنصاري (قده) يحمل الطائفة الثابتة الظاهرة في قاعدة الفراغ التي هي ما كان الشك في صحة الموجود على قاعدة التجاوز.

ولكن لا يخفى أن أخبار الباب منها مختصة بقاعدة التجاوز لاعتبار الدخول الغير كصحيحة زرارة وموثقة بن أبي يعفور ورواية اسماعيل بن جابر ومنها غير متكفلة لهذا القيد كموثقة بن مسلم فان ظهورها في الشك فى صحة الموجود فان الظاهر من قوله (ع) كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ، هو الشك في صحته بعد القطع بأصل وجوده وامكان تطبيقه على الأول بأن يكون المراد بقوله فامضه كما هو بمعنى أنه عند الشك في أصل الوجود أي على أنه وجد صحيحا مما لا يصغى اليه ولذا صاحب الكفاية حمل هذه الرواية ونظائرها مما كانت ظاهرة فى الثاني على قاعدة الفراغ وما ظاهرة في الأول على قاعدة التجاوز ولكن لما كان موردها الصلاة كقوله في رواية ابن جابر إن شك في الركوع بعد ما سجد أو شك في السجود بعد ما قام خصها بها والتحقيق ما ذهب إليه صاحب الكفاية من استفادة القاعدتين من الأخبار لكن مع التعميم في قاعدة التجاوز وذلك لعموم التعليل في ذيل رواية بن جابر كل شىء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره ليمضي عليه وفى ذيل موثقة

٣٦٤

بن أبي يعفور إنما الشك في شىء لم تجزه فيستفاد منها التعميم فتلخص أنه لا دليل على قاعدة الفراغ عند الشيخ (قده) فان الأخبار بجملتها إنما تدل على قاعدة التجاوز وأن الدليل على اعتبارها عند صاحب الكفاية وعندنا هو بعض الأخبار لكن مع التخصيص بباب الصلاة عند صاحب الكفاية ومطلقا عندنا فاعلم أن الشك في صحة الموجود الذي هو مجرى قاعدة الفراغ تتسبب عن الشك في أصل الوجود كما في كل مورد شك في صحة شيء من جهة الشك في فقد شىء كان معتبرا فيه شرطا أو شطرا.

نعم لو قلنا بكون الترتيب والموالاة معتبرا في صحة الشيء من غير دخل لهما في أصل وجوده كان الشك في أصل الوجود ومع كل مورد يكون الشك في الصحة مسببا عن الشك في الوجود كان مجرى لقاعدة التجاوز ولا يصح جريان قاعدة الفراغ لما تقدم مراده وسيأتي مفصلا من أن الأصل فى السبب يغني عن الأصل فى المسبب.

نعم لو لم يكن جريان قاعدة التجاوز للمعارضة أو غيره كان مجزئ لقاعدة الفراغ وكل مورد لا يكون الشك فى الصحة مسببا عن الشك في الوجود يجزي قاعدة الفراغ من غير إشكال إذا عرفت ذلك فاعلم أنه تظهر الثمرة في اختلاف المسالك الثلاث فيما لو صلى أحد صلاة ثم توضأ بعد وشك فى صحة الصلاة المأتي بها من جهة الشك فى الاخلال فالترتيب والموالات ومن صحة الوضوء من جهة الشك في فقد جزء منه وعلم إجمالا ببطلان أحدهما اما الصلاة.

وأما الوضوء فعلى مسلك الشيخ من عدم تمامية قاعدة الفراغ تجزي قاعدة التجاوز فيهما ولما كان العلم الاجمالي بالبطلان يوجب تعارض بين القاعدة في الصلاة والقاعدة في الوضوء وبعد تساقطهما

٣٦٥

بالتعارض يرجع فيها إلى قاعدة الاشتغال فيجب استئناف الوضوء وإعادة الصلاة وعلى مسلك صاحب الكفاية لا تجري قاعدة التجاوز فيهما.

أما في الصلاة فلان الشك فى صحتها في أصل وجودها ولا يكون الشك في صحتها مسببا عن الشك في وجوده لكونه من جهة الاخلال بالترتيب أو الموالاة.

وأما فى الوضوء فلا اختصاص قاعدة التجاوز في الصلاة بل يكون كلاهما قاعدة الفراغ فيتعارضان وبعد التساقط يرجع الى الاحتياط أيضا.

وأما على المسلك التحقيق يجري قاعدة التجاوز في الصلاة والوضوء معا وقاعدة الفراغ في الوضوء خاصة لكن يكون الشك في صحته مسببا عن الشك في وجود ما يعتبر فيه فتتعارض قاعدة التجاوز فيهما بعد تساقطهما بالتعارض فتبقى قاعدة الفراغ سليمة عن المعارضة فيكون النتيجة إجراء قاعدة الفراغ في الوضوء والاكتفاء به واعادة الصلاة بقي الكلام في فقه رواية ابن أبي يعفور الواردة في الوضوء فنقول يمكن ارجاع الضمير في غيره من قوله اذا شككت في شىء من الوضوء ودخلت في غيره الى الشىء المشكوك أو الى نفس الوضوء فعلى الأول يطابق الصدر مع التعليل المذكور في ذيلها إلّا أنها تدل على صحة الوضوء لو شك في بعض أجزائه في الأثناء وهو خلاف الاجماع على أنه لو شك في الأثناء يجب الاتيان بالمشكوك وما بعده وعلى الثاني لا يطابق صدرها مع التعليل المذكور في ذيلها إذ التعليل ظاهر في أن العلة في الوضوء كغيره في باب الشك هي تجاوز المحل وصدرها دال بالمفهوم على أنه ما دام في الأثناء يجب الاعتناء بالشك فهما متعارضان ويمكن الجواب بوجهين.

٣٦٦

أحدهما أن الاستدلال إنما هو بمفهوم التعليل فيها باعتبار أحد أفراده وذلك لأن المفهوم من قوله (ع) إنما الشك في شىء لم تجزه هو عدم العبرة بالشك فيما إذا جاوز الشىء والتجاوز قد يحصل بالدخول في الجزء الآخر المتصل بالمشكوك وقد يحصل بتمام العمل والفراغ منه والدخول في غيره وفي باب الوضوء إذا تجاوز عن العمل لا عبرة بشكه بمقتضى القاعدة وتخصيصها بالوضوء في باب الوضوء بمعنى يجب الاعتناء بالشك فيه ما دام في الأثناء وهذا التخصيص لا يضر بشمول قاعدة التجاوز عن العمل وبعبارة أخرى لصدر الرواية منطوق ومفهوم بناء على إرجاع الضمير الى الوضوء في المنطوق يدل على عدم العبرة بالشك اذا تجاوز عن المحل ينطبق على القاعدة أو التعليل له والمفهوم يدل على وجوب الاعتناء لو وقع الشك في الأثناء ولو تجاوز عن محل الشك ولكن التعليل لما سبق للاستدلال على تطبيق صدر الرواية يوجب حمل ذيلها من غير اشكال الثاني أن يلتزم بارجاع الضمير الى الشىء ومع ذلك يجاب بأن الضمير في قوله ودخلت فى غيره مطلق يشمل الغير المتصل والمنفصل وهو الذي يتحقق بعد العمل وبقربته الاجماع على اعتناء بالشك فى أثناء العمل في باب الوضوء بقيد الغير بالمنفصل والفرق بين الوجهين هو أنه على الأول منهما تخصيص بعموم القاعدة بغير باب الوضوء وعلى الثاني تقييد لاطلاق الغير بالغير المنفصل من دون ارتكاب بتخصيص في العموم وذلك لا يوجب الفرق بينهما إلا بالنسبة إلى الأول يلزم لغوية التطبيق على المورد دون الثاني ثم أن القيد الثالث من قاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما تشترط وجود المشكوك في صحته هو ترتب الأثر على نفس الوجود مثلا لو شك في أثناء صلاة العصر في إتيان صلاة الظهر فتجري قاعدة التجاوز وأنها تثبت وجود

٣٦٧

صلاة الظهر فتحكم بصحة العصر بمعنى أنها محرزة شرط صحة العصر حيث صحتها منوطة بتقدم صلاة الظهر على العصر ولكن لا يوجب سقوط الظهر بنحو لو كان الوقت باقيا يجب الاتيان بصلاة الظهر (١)

__________________

(١) بتقريب أن الشك في الشرط لما كان له محل شرعي ففي الطهارة الحدثية محلها الشرعي قبل الصلاة بقوله تعالى (إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) الآية ومحل صلاة الظهر والمغرب قبل العصر والعشاء لقوله (ع) (إلا أن هذه قبل هذه) فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز لعدم الفرق بين الجزء المشكوك والشرط المشكوك الوجود فكما أنها تجري في الجزء تجري في الشرط لأن مناط الجريان واحد وهو أن صحة العمل يتوقف على وجود الجزء أو الشرط المشكوك وجودهما بعد التجاوز عن محلهما المقرر لهما شرعا بلا تفاوت بينهما وبما أنهما من الأصول التنزيلية بكون مفادها ترتيب آثار وجود الشرط من حيث كونه شرطا لهذا العمل الذي بيده وشك في وجوده في أثنائه فيجب معاملة وجود صلاة الظهر مثلا من حيث شرطيته لصحة صلاة العصر لا مطلقا ودعوى بان التجاوز الذي هو موضوع القاعدة لم يتحقق في الأجزاء الباقية التي لم يأت بها بعده فلا أثر لجريان القاعدة في الأثناء ممنوعة إذا ما هو الشرط لمجموع العمل وجود الظهر مثلا قبل العصر فبنفس دخوله في صلاة العصر بتحقق التجاوز عن محل الشرط وقد ادعى الشيخ الأنصاري (قده) في خصوص الوضوء لا يلزم به لصحيحة علي بن أبي جعفر عن أخيه موسى (ع) قال سألته عن الرجل يكون على وضوء ثم يشك على وضوءه هو أم لا (قال (ع) إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها وإن ذكرها وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك.

ولكن لا يخفى دلالتها على ذلك محل تأمل هذا كله فيما لو كان

٣٦٨

بعد العصر وكذا شرطية الطهارة بالنسبة إلى الصلاة لو شك في أثنائها في الوضوء فلا يخلو أما أن يكون الشرط هو نفس الوضوء.

وأما أن يكون الشرط هو الطهارة الحاصلة من الوضوء وعلى الأول يكون للشرط محل مقدم على الصلاة فتجري قاعدة التجاوز لو شك في

__________________

للشك له محل شرعي.

وأما لو لم يكن له محل شرعي كالستر والاستقبال فلا تجري قاعدة التجاوز لما هو معلوم أن موضوعها التجاوز عن المحل الشرعي هذا فيما لو كان الشرط للمركب المأمور به.

وأما لو كان شرطا شرعيا للجزء كالجهر والاخفات بناء على كونها شرطين للجزء للصلاة في حال القراءة وربما يقال بعدم جريان قاعدة التجاوز من جهة أن الشرط ليس له وجود مستقل فلا يصدق عليه تجاوز عنه وأما في نفس المشروط فلا شك فيه لكي تجري قاعدة التجاوز ولكنه محل منع إذ لا مانع من جريانها فى الشرط والمشروط.

أما في الشرط المشكوك الوجود فلأن الجهر والاخفات بشيء شك في وجوده بعد التجاوز عن محله وعدم كونه جوهرا ومستقلا في الوجود لا ينافي كونه شيئا.

وأما في المشروط فلان المشروط بوصف كونه صحيحا مشكوك الوجود وهكذا لا إشكال في جريان قاعدة التجاوز في الشرط العقلي للجزء كالموالاة بين حروف الكلمة إذ مرجع هذا الشك إلى وجود الجزء الذي هو الكلمة بعد التجاوز عن محله كما هو المفروض في المقام اذ المفروض أن الشرط عقلي للجزء والشك فيه شك في المشروط الذي هو الجزء

وبالجملة لا فرق بين ما يكون الشرط عقليا أو شرعيا للجزء بالنسبة لجريان قاعدة التجاوز فلا تغفل.

٣٦٩

نفس الوضوء في أثناء الصلاة لتحقق موضوعه لكون ما شك له محل شرعى ويتحقق بالدخول في تجاوز عن محل المشكوك المقرر له شرعا فبمقتضى قاعدة التجاوز يبني على وجوده بالنسبة إلى الصلاة التي مشغول باتيانها.

وأما بالنسبة إلى الصلاة الأخرى فلا يجري قاعدة التجاوز فيجب الاتيان بالوضوء لعدم تحقق التجاوز من محل المشكوك وعلى الثانى فأما أن تكون الطهارة من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشك فتكون أفعال سببا لنفس الطهارة التي هي النورانية وحينئذ يكون ترتبها على الوضوء ترتبا واقعيا تكوينا.

وأما أن يكون ترتب هذا الأثر ترتبا جعليا يحصل بجعل الشارع فيكون من الأمور الجعلية فعلى الأول يكون عبارة عن مقارنة الأثر لأول جزء من الصلاة إلى آخر جزء منها فلو شك في أثنائها فبالنسبة إلى ما قد مضى من الأجزاء يمكن جريانها إلا أنه بالنسبة إلى ما بقى من الأجزاء يكون الشك في المحل فلا يتحقق موضوع لجريانها لما عرفت أنها تجري لو شك فى شىء وقد تجاوزت محله.

وأما جريانها بالنسبة إلى نفس الوضوء فقد عرفت أنه لا يجري لكون ترتب الطهارة على الوضوء ترتبا تكوينيا واقعيا وإنما تجري فيما لو كان الترتب شرعيا.

وأما على الثانى فيمكن جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لو كان الشك فى الأثناء حيث أنه على هذا الفرض ترتب الطهارة على أفعال الوضوء بجعل شرعي فيتحقق بالدخول فى الصلاة بالتجاوز عن الوضوء

ثم لا يخفي هل يعتبر في القاعدتين الدخول في الغير الظاهر اعتباره في قاعدة التجاوز لأن التجاوز عن الشىء لا تكون إلا بالدخول في غيره وإلا

٣٧٠

مادام لم يدخل في شىء آخر لا يصدق عليه تجاوز عنه ويكون محله باق إلا أن يعتبر فيه أن يكون الترتيب بينه وبين المشكوك فيه شرعا من الاجراء والأفعال ولو لم يكن الترتب شرعيا لا يصدق عليه دخول في الغير فمن كان شاكا في السجود وهو أخذ بالنهوض إلى القيام أو في الركوع وهو في حال الهوى إلى السجود لا يصدق عليه الدخول فيه وان كان ذلك من مقدمات يترتب عليه لكون ترتب ذلك عقليا وعليه يجب الاتيان بالمشكوك لصدق كونه في المحل ويفهم ذلك من ذكر الأمثلة المذكورة في النص فانه يستفاد منها تجديد الغير بالدخول فيما رتبها على المشكوك شرعا لا مطلق الغير ودعوى أنه مطلق الغير للرواية الواردة في رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال (ع) قد ركع ممنوعة لضعفها وعلى فرض القول بها لا بد من الاقتصار عليها وعدم التعدى إلى غيره من المقدمات كما أنه لا يعتبر في الغير أن يكون متصلا بالمشكوك فلو كان منفصلا عنه يصدق فيه دخول في الغير فلو شك في الركوع والسجود وهو في التشهد إذ المستفاد من الأخبار اعتبار الدخول في الغير لكونه محققا لعنوان التجاوز عن محل المشكوك وعليه بعد صدق التجاوز في الدخول في غير الملاصق للمشكوك فتجري فيه القاعدة ففي الفرض المذكور بحكم التجاوز عن الركوع والسجود بالدخول بالتشهد من غير فرق بين كونهما بشك واحد أو كل واحد منهما فيه شك مستقل ولو لا ذلك لقلنا ببطلان الصلاة لعدم احراز الركوع في الصلاة

ثم لا يخفى أن المستفاد من أخبار الباب هو مطلق الشك الحادث بعد العمل ولو كان مسبوقا بشك آخر قبل العمل من سنخه أو من غير سنخه أو خصوص الشك غير المسبوق بالشك والالتفات قبل العمل الطاهر

٣٧١

هو الثاني من غير فرق بين أن تكون الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء قبل الصلاة أم لا يكون محتملا ذلك بل يعلم أنه لم يتوضأ قبل الصلاة بعد ما شك في الطهارة ولكن يشك في صحة صلاته من جهة كونه متطهرا واقعا كما هو الظاهر أن الشك المأخوذ في موضوع القاعدة في أخبار الباب هو طبيعة الشك الحادث بعد التجاوز أو الفراغ على الاطلاق بنحو لا يصدق على الشك قبل العمل فعلية لا تجري القاعدة في حقه أصلا من غير فرق بين تحقق الاستصحاب أم لا إلّا أن بعض الأعاظم (قده) أجرى القاعدة فيما اذا كان الصلاة محتملا لاتيانه بوظيفة الشاك وهو الوضوء قبل الصلاة دون ما لم يكن محتملا بتقريب أنه لا يزيد حكم استصحاب الحدث عن العلم الوجداني بالحدث فكما أنه لو كان عالما بالحدث وأحتمل بعد الفراغ من العمل أنه توضأ قبل العمل تجري في حقه قاعدة الفراغ كذلك لو كان مستصحب الحدث بخلاف ما لو كان لم يحتمل الاتيان بوظيفة الشاك الذي هو الوضوء قبل الصلاة بعد استصحاب الحدث فعدم جريان قاعدة الفراغ لأجل استصحاب الحدث قبل العمل لأنها تكون حاكمة على الاستصحاب فيما لو كان الشك بعد العمل ودعوى أن هذا يجري فيما لو كان الاتيان بالوضوء محتملا ممنوعة اذ استصحاب الحدث انما يجري بعده وهي حاكمة عليه اذ المعتبر في الاستصحاب الشك الفعلي وهو انما يتحقق بعد الصلاة ولأجل لذلك قلنا أن الطاهر من الأخبار هو الشك غير المسبوق بشك آخر قبل الدخول في العمل فعدم جريان القاعدة مع سبق الشك والالتفات قبل العمل لأجل أنه لا موضوع لها لا أنه من جهة الاستصحاب السابق الجاري في ظرف العمل ولازم أنه لا فرق بين الصورتين في جريان القاعدة لاشتراكهما في سبق الشك هذا كله لو التفت الى كونه شاكا حين العمل.

٣٧٢

وأما لو احتمل كونه شاكا في ظرف العمل الطاهر عدم جريانها لما قلنا بأن الظاهر هو اختصاص جريانها بما لم يكن شاكا حتى يحتاج ذلك إلى إحراز عدم كونه شاكا ودعوى أنه يمكن التمسك بجريانها بعموم كلما مضى من صلاتك وطهورك والتعليل يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو ممنوع عندنا ودعوى جريان أصالة عدم حدوث الشك والالتفات قبل العمل إنما يجدى إذا كان الموضوع مركبا وإلا مع كونه بسيطا ولازما عقليا لعدم الشك والالتفات في ظرف العمل فلا ينفع في جريانه لكونه من الأصل المثبت كما لا يخفى.

الأمر السادس نسبة الاستصحاب إلى أصالة الصحة فنقول لا إشكال في تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب مطلقا من غير فرق بين الاستصحاب الحكمي والموضوعي كما أنه لا فرق بين كون الصحة بمعنى التمامية أو ترتب الأثر إلا أنه يختلف وجه التقديم ففي بعضها بنحو الحكومة وفي بعضها بنحو التخصيص للزوم محذور اللغوية بيان ذلك أن هذه القاعدة بناء على كونها من الامارات فلا شبهة في تقديمها على الاستصحاب الموضوعي والحكمي بمناط الحكومة لكون مقتضى دليل كشفها ترفع الشك الموجود في الأصل إلا أن نقول بأن كشفها في خصوص مدلولها المطابقي على المختار أو قلنا بأن مفاد (لا ينقض) ناظر إلى جعل المماثل في استصحاب الأحكام وجعل الأثر ففي استصحاب عدم بلوغ العاقد حين العقد يترتب عليه فساد العقد وعدم ترتب النقل والانتقال ومع هذا التعارض لا مجال لتقديم القاعدة على الاستصحاب إلا بمناط التخصيص للزوم اللغوية إذ ما من مورد يشك في صحة معامله من جميع أقسام المعاملات إلا وهو مجرى الاستصحابات العدمية فلو كانت تلك الاستصحابات مقدمة على هذه القاعدة لا يبقى مورد أصلا أو كان مورده فى غاية القلة بنحو يكون

٣٧٣

مثل هذا التشريع لغوا بل يوجب سقوط هذا الأصل في تلك الموارد.

وأما لو قلنا بأن مفاد (لا تنقض) كونها ناظرا إلى مجرد الأمر بالمعاملة مع المستصحب معاملة الواقع من حيث الجري العملي يكون تقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي بمناط الحكومة إذ مقتضى دليلها تميم الكشف وهو يوجب إلغاء احتمال فساد المعاملة ومعه لا يجري استصحاب عدم البلوغ لخلوه عن الأثر هذا بناء على كونها أمارة.

وأما بناء على كونها أصلا (١) كما هو المختار وقلنا بأن الصحة

__________________

(١) وترتب عليه عدم ثبوت اللوازم العقلية للفعل الصحيح بأصالة الصحة بل تترتب على ذلك الفعل خصوص الآثار الشرعية وقد فرغ الشيخ الأنصاري (قده) ما لفظه أنه لو شك في أن الشراء الصادر عن الغير كان بما لا يملك كالخمر والخنزير أو بعين من أعيان ماله فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شيء من تركه الى البائع لاصالة عدمه. انتهى.

بيان ذلك بأن تردد الثمن بين لا يملك كالخمر والخنزير وبين عين ماله مع فرض صحة المعاملة لازم صحته عقلا أن يطبق الثمن المردود على ما هو مملوك حيث ان غير المملوك ينافي صحة المعاملة وبما أن ذلك من لوازم العقلية لصحة المعاملة فلذا لا ثبت بجريان اصالة الصحة بصحة المعاملة ومع غير ثبوته يجرى فيه أصالة عدم انتقال من شيء من تركه.

نعم أشار الفقيه الهمداني (قده) في حاشية على الرسائل بلزوم الاحتياط للعلم الاجمالي.

أما بعدم دخول المبيع في ملكه لو كان البائع حيا أو مورثهم

٣٧٤

نفس ترتب الأثر كما هو المشهور فالظاهر حكومة الاستصحاب على القاعدة حيث أن الشك في بلوغ العاقد ومع استصحاب عدمه يرتفع ذلك الشك فيترتب عليه الحكم بالفساد وحينئذ لا يجري أصالة الصحة من غير فرق بين القول بأن المستفاد من دليل حرمة النقض بالأمر بالمعاملة من حيث الجرى العملي وإن كانت الحكومة أظهر.

وأما لو قلنا بأن الصحة هي التمامية فقد تتوهم الحكومة لتسبب الشك في تمامية العقد عن الشك في بلوغ العاقد فاصالة عدم البلوغ ينفي الشك في تمامية العقد.

__________________

لو كان ميتا فيما لو كان الثمن المسمى ما لا يملك.

وأما بخروج العين الشخصية أو مقدار ما يساوى المبيع من الشراء من ملكه أو من ملك مورثهم وقد اعترض المحقق النائيني (قده) على ما أفاده الشيخ الأنصاري (قده) من الجمع بين صحة الشراء وانتقال المبيع الى المشتري وبين عدم انتقال شيء من تركه الى البائع فان ذلك متنافيان حيث أن الثمن المردد بين ما لا يملك وبين عين من أعيان ماله ان كان في حاق الواقع هو ما لا يملك فلا يدخل المبيع في ملك المشتري للزوم انتقال المبيع بلا ثمن وذلك ينافي حقيقة البيع الذي هو مبادلة مال بمال فلا يكون صحيحا وإن كان هو ذلك المال الذي عينه وسماه وهذا ينافي مع الانتقال بشىء من تركته وحينئذ يعلم إجمالا بكذب أحد الأصلين.

أما أصالة الصحة أو أصالة عدم الانتقال وعليه يحكم ببطلان هذا الشراء للشك في قابليته للنقل والانتقال لقصور شمول دليل أصالة الصحة بترابط العوضين أو المتعاقدين لكون دليلها الاجماع وهو دليل لبى يؤخذ بالقدر المتيقن ولذلك مختص بشرائط العقد كما لا يخفى.

٣٧٥

ولكن لا يخفى لا سببية ومسببة لأنهما وإن كانا متغايرين مفهوما إلا أنهما متحدان منشأ اذ تمامية العقد في مرحلة للسببية والمؤثرية وكذا تمامية المسبب في مرحلة القابلية للمتأثرية ليست إلا عين واجدية العقد والسبب للشرائط المعينة فيهما وإنما الفرق بالاجمال والتفصيل فعليه يجري استصحاب عدم البلوغ فيترتب الفساد كذلك تجري أصالة الصحة فيتعارضان إلا أن يقال بتقديم أصالة الصحة لمحذور اللغوية.

وبالجملة تتقدم أصالة الصحة على الأصول بعد اجتماع الشرائط (١)

__________________

(١) يعتبر في جريان أصالة الصحة إحراز صدور العمل بعنوانه الذي تعلق به الأمر أو أخذ موضوعا في ترتب الأثر فما لم يحرز ذلك لا يصح جريان أصالة الصحة كما لو استأجر أحدا لأن يصلي أو يحج عن الميت فأتى الأجير بصلاة أو حج لا يعلم أنه قصد به النيابة عن الميت أو أتى به عن نفسه لا يمكن الرجوع إلى أصالة الصحة والحكم باستحقاقه الأجرة وفراغ ذمة الميت ضرورة أن مجرد إتيانه بالصلاة أو الحج ولو بداعي الاتيان عن نفسه لا يقع نيابة عن الميت.

نعم لو أحرز عنوان النيابة وشك فى صحتها من جهة احتمال الاخلال بها جزءا أو شرطا يجري الأصل ويترتب عليه استحقاق الأجرة وفراغ ذمة الميت.

وادعى الشيخ الأنصاري (قده) باستحقاق الأجرة وعدم فراغ ذمة الميت بتقريب أن لفعل النائب حيثين.

أحدهما حيثية كونه من أفعال النائب ولذا يعتبر فيه ما يعتبر من أفعال نفسه كحرمة لبس الحرير للرجل ووجوب إجهاره فى القراءة له وعدم اعتبار ذلك إن كان المنوب امرأة ومن هذه الجهة تجري أصالة الصحة عند الشك في تحقق ما يعتبر في صحته جزءا أو شرطا ويترتب

٣٧٦

عن إحراز عنوان المشكوك في صحته وفساده أما بالعلم الوجداني أو بما يقوم مقامه من الامارات المعتبرة أو الأصول العقلائية وإلّا فلا يكفي في جريان هذا الأصل ليحرز صدور ذات العمل مع الشك في عنوانه كما مثل العناوين القصد به كالوضوء والصلاة والزكاة والبيع ونحو ذلك فلا تجري اصالة الصحة فيما لو شك في قصد هذه العناوين إلّا باحراز عناوينها بصورتها من غير فرق بين العبادات والمعاملات ولذا لا يتوقف أحد ممن يشاهد من صلى على ميت وشك في صحتها من جهة احتمال قصد التعليم من جريان اصالة الصحة فيسقط عنه التكليف بالصلاة فكما لو رأى من يأتي بصورة عقد في صورة المعاملة من بيع ونحوه حيث أنه يحمل على الصحة بمعنى كونه صادرا عن قصد التسبب به الى

__________________

عليه جميع آثاره من استحقاق الأجرة وجواز استيجاره.

ثانيا بناء على اعتبار فراغ ذمة الأجير في صحة استيجاره نائيا.

ثانيهما حيثية كونه فعل المنوب عنه ومستندا إليه ولو بالتسبب ولذا يعتبر في المنوب عنه وجوب الاتيان بالصلاة قصر عند كون العائبة قصرا وإن كان النائب عند وجوب الاتيان بها حاضرا ومن هذه الجهة لا تجري أصالة الصحة حتى يحكم بفراغ ذمة الميت لعدم إحراز عنوان النيابة وصحة جريان الأصل من الحيثية الأولى لا يلازم صحة جريانه من الحيثية الثانية.

ولكن لا يخفى أنه لا معنى للتفكيك بين استحقاق الأجرة وفراغ ذمة الميت والحكم بترتب الأول دون الثاني ضرورة أن استحقاق الأجرة ليس من آثار تحقق الصلاة الصحيحة مثلا وإنما هو من آثار الصلاة الصحيحة المأتي بها نيابة عن الميت فكما أن فراغ الذمة لا يترتب ما لم يحرز عنوان النيابة كذلك استحقاق الأجرة فلا تغفل.

٣٧٧

المعاملة ولذا يقدم قول من يدعي الصحة اذا تنازعا في صحة العقد وفساده لأجل التنازع في العقد وعدمه ومنشأ ذلك هى السيرة العرفية وبرهان احتلال النظام حيث أنهما يقضيان بالحمل على الصحيح (١) في جميع

__________________

(١) لا يخفى أن تدرك المختار لاصالة الصحة هو برهان احتلال النظام المستفاد من رواية حفص بقوله (ع) (ولو ذلك ما قام للمسلمين سوق) بل الاختلال اللازم من ترك العمل باصالة الصحة أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل باليد لأهمية مواردها من موارد اليد لجريانها في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والايقاعات ولذا نقول بجريانها في شرائط العقد وشرائط المتعاقدين وشرائط العوضين خلافا للاستاذ المحقق النائيني (قده) بقوله بأن المدرك للاصل هو الاجماع وهو دليل لبي فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو خصوص شرائط العقد وعلى المختار من قيام اعتبار أصالة الصحة في مقابل أصالة الفساد في جميع ما شك في وجوده مما أعتبر في العقد أو العوض أو المتعاقدين إذا لم يكن من الشرائط العرفية للمتعاقدين والعوضين بأن يكون مما أعتبر عند العرف من مقومات المعاملة عرفا إلا مع وجود تلك الشرائط وبعبارة أخرى فى كل مورد في المعاملات تحقق موضوع أصالة الصحة الذى هو عبارة عن وجود ذلك العنوان الذي شك في صحته وفساده لاحتمال فقد شرط أو وجود مانع فى غير ما هو دخل في تحقق ذلك العنوان عند العرف وفي نظرهم تجري أصالة الصحة.

وأما مانع الشك في تحقق موضوعها فلا تجري قطعا كما هو شأن كل حكم بالنسبة إلى موضوعه إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما شك في صحته وفساده تارة هو السبب إلى العقد وأخرى هو المسبب وهو نفس المعاملة الحاصلة من العقد كالبيع مثلا فان كان من العقد وأحتمل عدم الصحة من

٣٧٨

ما يتصور فيه الصحة والفساد بعد إحراز مجراها عرفا ولازمه التفصيل في جريان هذا الأصل بحسب الموارد باجزائه تارة في خصوص السبب إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك في بعض ما أعتبر فيه شرعا وأخرى في المسبب دون السبب إذا كان الشك في الصحة مسببا عن الشك فيما أعتبر فيه شرعا في قابلية المترتب على السبب وثالثة في

__________________

حيث الأجزاء والشرائط والموانع ويشك فى ترتب الأثر المقصود بنحو لو انضم إليه سائر الشرائط المعتبرة في المتعاقدين فلا إشكال في جريان اصالة الصحة في نفس العقد إذا لم يكن للشرط المحتمل للفقدان أو المانع المحتمل الوجود مما له دخل في تحقق عنوان العقد عرفا وحينئذ يترتب عليه الأثر المقصود وهو المعاملة بنحو لو انضم سائر ما أعتبر فيها من شرائط المتعاقدين كبلوغهما ورضائهما ومن شرائط العوضين لكونهما قابلين للنقل والانتقال أو لكونهما مملوكين بأن لا يكونا من قبيل الخمر والخنزير إذ جريان أصالة الصحة في العقد تكون كالصحة المحرزة بالوجدان ومن الواضح أن من آثارها الصحة المعاملة ما لم تنضم إليه جميع الشرائط المعتبرة في المتعاقدين والعوضين.

وأما إذا شك في صحته وفساده هو المسبب لأجل من فقد شرط أو وجود مانع للعقد أو المتعاقدين أو العوضين فتجرى اصالة الصحة في ذلك من غير فرق بين ما شك في محتمل الشرط أو وجود المانع من شرائط العقد أو شرائط العوضي أو المتعاقدين.

وبالجملة على المختار تجري أصالة الصحة في جميع ما شك في صحته وفساده بعد إحراز عناوين المعاملات مع عدم الشك فيما هو معتبر في عناوينها عرفا سواء كان من حيث السبب أي العقد أو من ناحية المسبب من غير فرق بين أبواب العقود أو الايقاعات كما لا يخفى.

٣٧٩

كل من السبب والمسبب إذا كان الشك في الصحة وترتب الأثر ناشئا من الجهتين من غير فرق بين أن يكون الشرط المشكوك فيه مما محله العقد أو المتعاقدين أو العوضين أو نفس المسبب فان جميع هذه القيود راجعة أما إلى السبب أو المسبب لاستحالة تمامية السبب وقابلية المسبب مع عدم الأثر.

وبالجملة لا بد من جريان هذا الأصل من إحراز عنوانه عرفا في كونه هو السبب أو المسبب أو كليهما إذ مع عدم الاحراز لا مجال لجريان هذا الأصل ثم أنه يظهر من الشيخ (قده) الاشكال في جريان أصالة الصحة في بعض الفروع (١) منها الشك في صحة الوقف ولوقف

__________________

(١) أما الشك في الوقف يتم لو لم يصدر من الناظر.

وأما لو حصل من قبل الناظر فلا مانع من جريان أصالة الصحة حيث أن وجود المسوغ تحقق منع الوقف عرفا بل مما اعتبره الشارع في صحته ولكونه حاكمة على أصالة عدم وجود مسوغ يتم على ما اختاره المحقق النائيني من اختصاص جريانها بصورة الشك في العقد من وجود خلل فيه من فقد شرط من شرائط العقد أو وجود مانع من موانعه دون الشك من جهة عدم قابلية المتعاقدين أو من جهة الشك في عدم قلبية المال للنقل والانتقال كالوقف إلا مع طرو مسوغ وكان مشكوكا لكون مدركه هو الاجماع وهو دليل لبي يؤخذ بالقدر المتيقن وحيث بينا على كون المدرك غيره فلذا لا مانع في جريان اصالة الصحة في المقام.

وأما بيع الصرف فيمكن القول بجريان أصالة الصحة حيث أن القبض في المجلس في مسألة بيع الصرف ليس من مقومات المعاملة عرفا لكي يكون الشك مسوقا للشك في تحقق عنوان المعاملة اللهم إلا أن يقال بأن الموضوع مركبا من أمرين :

احدهما نفس وجوده والآخر القبض في المجلس فمع هذا

٣٨٠